8 حيل نفسية دفاعية تؤثر في سلوك الإنسان
تلعب الحيل النفسية الدفاعية دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك الإنسان وطريقة تفاعله مع المواقف الصعبة والمواقف التي تتطلب تحمل مشاعر قوية أو تهديدات نفسية. هذه الحيل هي آليات لا شعورية يستخدمها العقل البشري للتعامل مع القلق، التوتر، الألم النفسي، والضغط الاجتماعي. تُعتبر هذه الحيل جزءًا من دفاعات النفس التي تساعد في الحفاظ على الاستقرار العاطفي وحماية الشخص من الانهيار النفسي أو التوتر المفرط. ولكن في بعض الأحيان، قد تكون هذه الدفاعات سلبية وتؤثر سلبًا على العلاقات الشخصية والتطور الذاتي.
1. الإنكار (Denial)
الإنكار هو أحد أكثر الآليات الدفاعية شيوعًا. يرفض الشخص الذي يستخدم هذه الآلية الاعتراف بالحقيقة أو الواقع الذي قد يكون مؤلمًا أو مزعجًا بالنسبة له. عندما يواجه الفرد واقعًا غير مرغوب فيه، مثل الفقدان أو الفشل أو الخيانة، قد يلجأ إلى الإنكار كمحاولة لتجنب مشاعر الحزن أو الألم. على سبيل المثال، إذا تعرض شخص ما لمرض خطير، قد ينكر المصاب حقيقة مرضه ويدعي أنه في حالة جيدة.
الإنكار قد يكون مفيدًا في المدى القصير لأنه يوفر نوعًا من الراحة النفسية. ومع ذلك، على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي إلى تجاهل الواقع والابتعاد عن التعامل مع المشاعر الحقيقية، مما يضر بالصحة النفسية والعاطفية.
2. التبرير (Rationalization)
التبرير هو محاولة عقلية لإيجاد تفسير منطقي للأفعال أو القرارات التي قد تكون خاطئة أو غير مبررة في الواقع. يواجه الشخص المواقف التي يشعر فيها بالذنب أو الندم، فيبحث عن تفسير منطقي لتخفيف مشاعره السلبية. قد يبرر الشخص تصرفاته الخاطئة أو الفاشلة من خلال إقناع نفسه بأن الظروف لم تكن مواتية أو أن القرار لم يكن بيده.
مثال على ذلك هو شخص يفشل في تحقيق هدفه المهني بسبب كسله، ثم يقوم بتبرير فشله بأن “الظروف كانت غير مواتية” أو “لم يكن لديه الدعم الكافي”. التبرير قد يوفر راحة مؤقتة، لكنه يعوق الشخص عن التعلم من أخطائه واتخاذ خطوات لتصحيح سلوكه.
3. الإزاحة (Displacement)
الإزاحة هي آلية دفاعية يتم من خلالها توجيه المشاعر السلبية من شخص أو موقف معين إلى هدف آخر، عادةً يكون هذا الهدف غير مرتبط بالمشكلة الأصلية. على سبيل المثال، قد يشعر شخص بالغضب تجاه رئيسه في العمل، لكنه بدلاً من التعبير عن غضبه تجاهه، يوجهه إلى شخص آخر مثل الزوج أو الأبناء.
تُستخدم هذه الآلية بشكل متكرر عندما لا يستطيع الشخص التعبير عن مشاعره تجاه شخص قوي أو ذو سلطة. الإزاحة تساعد في تخفيف الشعور بالتهديد ولكنها قد تؤدي إلى توتر العلاقات مع الآخرين.
4. التقمص (Identification)
التقمص هو عملية نفسية يتبنى فيها الفرد صفات أو سلوكيات شخصية أخرى، قد تكون قدوة أو مصدر إعجاب له. تستخدم هذه الآلية الدفاعية بشكل كبير في مرحلة الطفولة حيث قد يتقمص الطفل سلوكيات أحد الوالدين أو شخصية من محيطه. ولكن التقمص قد يستمر في مرحلة البلوغ ويُستخدم كآلية دفاعية لتهدئة القلق الناتج عن الشعور بالنقص أو الضعف.
على سبيل المثال، قد يتقمص شخص يعاني من تدني احترام الذات سلوكًا مفرطًا في القوة أو السلطة لأنه يعتقد أن هذه الصفات ستمنحه القوة التي يفتقر إليها. بينما قد يكون التقمص أداة لتجنب الإحساس بعدم الكفاءة، فإنه قد يؤدي إلى فقدان الهوية الشخصية.
5. التحويل (Regression)
التحويل هو العودة إلى مرحلة نفسية أو سلوكية سابقة تكون أكثر راحة أو أمانًا، في حالة الضغط أو التوتر. عندما يواجه الفرد ضغوطًا أو تحديات كبيرة، قد يعود إلى سلوكيات مرتبطة بمرحلة عمرية مبكرة. يمكن أن يظهر هذا في البالغين الذين يتصرفون بشكل طفولي عند مواجهة مواقف صعبة، مثل التصرف بعصبية أو البحث عن الرعاية والاهتمام كما لو كانوا أطفالًا.
تحويل الشخص إلى سلوكيات أكثر بدائية أو طفولية قد يكون وسيلة لتخفيف التوتر، ولكنه يمكن أن يعوق النمو الشخصي ويمنع الشخص من التعامل الناضج مع مشاعره ومشاكله.
6. التفكيك (Splitting)
التفكيك هو آلية دفاعية يتم فيها تقسيم الأشخاص أو الأحداث إلى “أبيض وأسود”، أي التعامل مع الأشياء بشكل ثنائي. قد يرى الشخص الذي يستخدم هذه الآلية الأمور على أنها إما جيدة تمامًا أو سيئة تمامًا، دون وجود مساحة بينية. على سبيل المثال، قد يعتبر شخص ما صديقه مثاليًا في أحد الأيام، ولكن إذا قام هذا الصديق بفعل غير مريح، قد يراه على أنه شخص سيء تمامًا.
يعد التفكيك ضارًا لأن الأشخاص والأحداث لا يتوافقون مع هذه التصنيفات المحدودة. تفكير الشخص بهذه الطريقة يعوق قدرتهم على رؤية تعقيدات الشخصيات والمواقف، مما يسبب مشاعر خيبة الأمل والغضب عندما لا تتطابق التوقعات مع الواقع.
7. العقلانية (Intellectualization)
العقلانية هي آلية دفاعية يتم من خلالها محاولة الشخص التعامل مع مشاعر أو مواقف صعبة باستخدام التفكير المنطقي والتحليل العقلاني بدلاً من الشعور بها. يبتعد الشخص عن التفاعل مع المشاعر من خلال التفسير العقلاني والموضوعي للموقف. على سبيل المثال، إذا فقد شخص ما أحد أفراد عائلته، فقد يبدأ في التفكير في الأسباب العلمية أو الطبية للوفاة بدلًا من التعبير عن الحزن أو الألم.
على الرغم من أن العقلانية قد تساعد في التعامل مع المواقف الصعبة بشكل مؤقت، إلا أنها تمنع الشخص من التعامل مع مشاعره والتفاعل معها بشكل صحي. هذه الآلية الدفاعية قد تؤدي إلى التجنب العاطفي والتعامل السطحي مع القضايا النفسية.
8. الإشباع الفوري (Sublimation)
الإشباع الفوري هو آلية دفاعية إيجابية نسبيًا يتم فيها تحويل الرغبات أو المشاعر السلبية إلى سلوكيات أو أنشطة أكثر قبولًا اجتماعيًا. على سبيل المثال، قد يحوّل شخص ما غضبه أو شعوره بالظلم إلى طاقة إيجابية في ممارسات رياضية أو فنية، مثل الكتابة أو الرسم أو ممارسة التمارين البدنية. يمكن أن يكون الإشباع الفوري وسيلة رائعة لتوجيه العواطف بطريقة بناءة، ويُعتبر من أساليب الدفاع الأكثر صحية.
عند استخدام الإشباع الفوري، يتمكن الشخص من التعامل مع مشاعره السلبية دون التأثير سلبًا على علاقاته أو صحته النفسية. تعتبر هذه الآلية الدفاعية من بين أكثر الآليات تطورًا لأنها تسمح للشخص بالتكيف مع المواقف الصعبة بطرق إيجابية وفعّالة.
الخلاصة
الحيل النفسية الدفاعية هي استراتيجيات غير واعية يقوم بها الإنسان لحماية نفسه من مشاعر القلق والألم النفسي. ورغم أن هذه الآليات قد تساعد في تخفيف التوتر النفسي على المدى القصير، إلا أنها قد تكون ضارة إذا تم استخدامها بشكل مستمر ودون وعي. من المهم أن يتعرف الشخص على آلياته الدفاعية ويعمل على معالجة مشاعره بشكل مباشر، مما يساهم في بناء القدرة على التكيف الصحي والتطور الشخصي.
